فتة العيد.. وجبة تاريخية تغادر موائد الفقراء في مصر (شاهد)

مصر فتة - عربي21
يطلق العرب على طبق الفتة اسم "ثريد ويتكون من الخبز المفتت يُسقى بمرق اللحم- عربي21
  • القاهرة- عربي21
  • السبت، 07-06-2025
  • 06:49 م
"صينية الفتة" إحدى أهم وجبات المصريين التاريخية التي كان يحرص على تقديمها الأثرياء يوم العيد للفقراء، والتي كانت تعتمدها الأسر الريفية كوجبة أساسية تجتمع عليها العائلة المصرية في المناسبات والأعياد.

ويطلق العرب على طبق الفتة اسم "ثريد"، الذي يتكون من الخبز المفتت (المثرود) يُسقى بمرق اللحم، وكان يُعرف كطعام الملوك والسادات، وأصبح طعاما مفضلا للعلماء والصالحين، وورد ذكره بأحاديث نبوية شريفة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الثَّرِيدُ".

ولأن عيد الأضحى مرتبط في مصر والعالم الإسلامي بذبح الأضاحي، وتوزيع اللحوم على الفقراء، والجيران والأهل، فإن "صينية الفتة" المصنوعة من الخبز مع مرق اللحم، وبعض المتبلات وفوقها قطع اللحم المسلوق، كانت الطعام الأساسي لأغلب المصريين مع إفطار يوم عرفة، ومع غذاء أول أيام العيد، وما بعده.

خبز خاص وترتيبات وطقوس عتيقة
كانت النساء تقوم بتحضير خبز خاص للفتة قبل العيد بأيام، حيث تذهب النساء لطحن حبوب القمح والذرة والحلبة على ماكينة "طحن الغلال" مقابل قروش وجنيهات، ثم يعدن إلى البيت لتبدأ عملية نخل الدقيق وفصل الردة عنه، وفق رواية ريفيات مصريات لـ"عربي لايت".

اظهار أخبار متعلقة


وهنا تبدأ مرحلة جديدة لصناعة خبز الفتة بعجن الدقيق المنخول بخليط من دقيق القمح والذرة والحلبة في أواني مخصصة (مواجير) من الفخار أو طشوت عميقة من الألومنيوم، ثم قدح الفرن البلدي بأعواد القطن أو الذرة، لتبدأ حفلة خبز العيش الفلاحي أو "العيش الخامر"، أو ما يطلق على بعض أنواعه الخبز "الرحالي" أو "الماوي"، في شمال الدلتا، وهو من القمح الخالص.


وكان الإعداد لصينية الفتة يمثل عملية شاقة تستمر عدة أيام، تظهر نتيجتها مع سلق اللحم الجملي أو العجالي أو لحم الماعز أو الخراف أو كوارع الجمل أو البقرة، فوق "الكانون البلدي" من الطين والحجارة يحمل فوقه حلة واسعة من الألومنيوم (شاورما)، وتوقد تحته النار من قوالح الذرة وخشب الأشجار وأقراص "الجلة الناشفة" من بقايا وروث البهائم.

ومع انتهاء سلق اللحم، وما ينتج عنه من مرق أو شوربة تبدأ عملية صناعة "صينية الفتة" أو "أنجر الفتة"، ذلك الطبق الواسع العميق الذي يتم تقطيع الخبز فيه قطعا صغيرة ثم يسقى بالمرق، والسمن البلدي، وفوقه "التقلية" من الثوم والبصل والطماطم، ويوضع فوقها الأرز المفلفل المصنوع بالسمن البلدي أو الأرز المحمر في الزيت، ويجري رص قطع اللحم بشكل دائري ليكون أمام كل يد ستطعم من الفتة قطعة لحم يحصل عليها.

صينية الفتة كانت تقدم فوق طبلية خشبية دائرية الشكل بمحيط نحو 1.5 مترا ولها أربعة أقدام خشبية بارتفاع 30 أو 40 سم، كان يتفنن في صناعتها النجارون، ليتجمع حولها أفراد الأسرة، جميعهم يمدون أيديهم اليمنى بصعوبة لتطال قطعة لحم ثم تغوص في الأرز والفتة إما بيديها أو بملاعق من الألومنيوم تطورت لاحقا إلى ملاعق من معادن أخرى.

اظهار أخبار متعلقة


انتقلت تلك الطقوس لاحقا لتُجرى فوق صينية من الألومنيوم بدلا عن الطبلية الخشبية، والتي جرى استبدالها هي الآخرى بموائد السفرة، التي لم تعد تتحمل استقبال صواني الفتة، التي اختفت رويدا رويدا من موائد المصريين الأسبوعية لتبقى في الأعياد، وبطلب خاص من كبار السن، وسط رفض شديد من الأطفال والأجيال الجديدة، التي ليس لديها ذكريات مع صواني وأناجر الفتة.

"طعام الأثرياء وحلم الفقراء"
يقول الحاج توفيق، لـ"عربي لايت": "ورثت مهنة البناء عن عائلتي، وقبل عقود كان الأهالي من الأثرياء يقدمون لأبي وجدي بينما كنت شابا صغيرا وجبة فتة المرق من اللحم أو (الظفر) من الأوز أو البط كل خميس من كل أسبوع طوال فترة العمل، وكانوا يخبزون لأجلها خبزا من القمح، ولم يكن يأكل الناس الأرز إلا بالمناسبات".

ويوضح أن "وجبة الفتة كانت فقط للمعلمين الكبار دون باقي أفراد الشغيلة، الذين كانوا ينتظرون انتهاء المعلمين من الغذاء حتى يتسابقوا إلى لعق ما تبقى من فتة في الأنجر، ثم انتقلت تلك العادة رويدا رويدا لتشمل إطعام كل أفراد العمل، الذين كانوا ينتظرون يوم تقديم الفتة بفارغ الصبر، فيما كان الأهالي متوسطي الحال يقدمون لنا فتة العدس، بدلا من فتة المرق".

ويضيف: "في الأعياد لم تكن تخلو موائدنا نحن أهل الريف من صينية الفتة، وكل يوم خميس حيث يوم الذبح الأسبوعي وشراء اللحوم بقريتنا، وكنا ننتظر ذلك اليوم ونعد له حيث تجتمع الأسرة كاملة المسافر والقادم من الجيش أو الطلاب الذين يتعلمون في البندر، وكان إفطار الجمعة له بعض الحظ من بواقي فتة الخميس".

ويلفت إلى "أن صينية الفتة بالمرق وصينية الرقاق بالمرق والتي كانت الأسر المصرية تحرص على تقديمها تراجع الإقبال عليها؛ لتغير عادات الطعام لدى الأبناء والأحفاد الذين يغلب على طعامهم وجبات سريعة وعندما يرون صينية فتة يرفضون المشاركة فيها".

الصوفية.. "فتة للمريدين"
لا تخلو موائد أتباع الطرق الصوفية في مصر، من صواني الفتة، التي يجري تقديمها عقب الحضرات الأسبوعية وأيام الاحتفال بالمولد النبوي وفي الدور والمقرات التابعة للطرق الصوفية في عيدي الفطر والأضحى.

صواني الفتة بالخل والثوم هي الوجبة الأساسية حتى اليوم في حياة كل صوفي وهو الأمر الذي يمثل ارتباطا تاريخيا حيث كان يقدم الثريد أو الفتة إلى الفقراء والمتصوفة في التكيات المنتشرة من العصور الوسيطة الفاطمية والمملوكية والعثمانية في أحياء مصر القديمة.

حتى اليوم وفي موالد "أهل البيت" المنتشرة في القاهرة الأثرية مثل الإمام الحسين والسيدة زينب والسيدة عائشة وغيرهم، وحتى الموالد الصوفية الشهيرة مثل أحمد البدوي في طنطا، وإبراهيم الدسوقي في دسوق، وأبو الحجاج الأقصري في الأقصر وعبد الرحيم القنائي في قنا وغيرهم، تقدم الفتة كوجبة أساسية لكل المريدين ومرتادي الاحتفالات.

اظهار أخبار متعلقة


وهنا يشير الحاج توفيق، إلى أنه من مريدي الطريقة الرفاعية، ويحرص "كل خميس ومنذ سنوات على تقديم صينية الفتة للمريدين والذين يحضرون حضرة يوم الخميس"، مبينا أن "الحضرة تكون مساء يوم العيد، ولا تخلو هي أيضا من صينية الفتة التي أقوم على صناعتها بنفسي، إما بمرق اللحم أو باللبن المحلى بالسكر".

هل عرف المصريون القدماء الفتة؟
تتداول مواقع صحفية قصة أسطورية حول الكاهنة المصرية "كارا"، وأنها أول من صنعت الفتة، مشيرين إلى وجود نقوش في معبد الإله "سوبيك" - الإله ذو رأس التمساح ورمز الخصوبة والنيل- بمعبد كوم أمبو في أسوان (جنوب مصر).

وتشير تلك المواقع إلى "قيام الكاهنة بذبح خروف، وحشيه بالبرغل والبصل وتزيينه بالباذنجان المقلي، وتفتيت قطع العيش فيه وإضافة المرق والثوم والخل والبصل، ثم تقطيعه، وتوزيعه في عيد الإله (سوبيك)".

وهي القصة التي لم يتم التحقق من صحتها ويعتبرها خبراء الآثار أسطورة أو حكاية شعبية لا تستند إلى دليل تاريخي أو أثري، حيث لا يوجد أي مصدر موثوق، من البرديات أو النقوش أو الكتابات، يشير إلى الكاهنة أو تلك القصة.

كما أن النقوش الموجودة في معبد كوم أمبو تصور الإلهين "سوبيك" وحورس الأكبر -ذو رأس الصقر- والطقوس الدينية، المشاهد الفلكية (مثل التقويم الزراعي)، ولوحات طبية، لا يوجد ما يوحي بوجود قصة عن طعام أو كاهنة تدعى "كارا".

الخبير الأثري المصري الدكتور حسين دقيل، قال إن "تقديم القرابين عادة مصرية قديمة قام بها الملوك والكهنة وأمراء ونبلاء أظهرتهم النقوش واللوحات على جدران المعابد والمقابر، وهم يقدمون القرابين كالمياه والنبيذ والخبز والطيور والأسماك واللحوم كقرابين أو أضحية للمعبود".

وفي حديثه لـ"عربي لايت"، لفت إلى أن "هناك نقوش تشير إلى أنه كان هناك حج إلى معبد أبيدوس، حيث مقر الإله أوزيريس، وكثير من الأماكن الأخرى ناحية أبيدوس وسوهاج بصعيد مصر".

واستدرك: "لكن القول إن المصريين القدماء عرفوا الفتة وأول من أكلوها فهو أمر زائد عن الحد، ولا توجد شواهد أساسية، وحديث البعض عن الأمر ويكأنه سابقة لمصر القديمة من أجل الافتخار بحضارة المصري القديم من وجهة نظري ذكرها بهذه الطريقة وربطها بمصر القديمة يسيئ للحضارة المصرية".

وأكد أنه "لو كانت قصة الفتة حقيقية لظهرت في نقوش ولوحات تقديم القرابين الموجودة بكثرة على جدران المعابد"، ملمحا إلى أن "الكبش أو الخروف معبود قديم في مصر القديمة على هيئة الإله (رع) أو (خنوم) وكان ذبحه أمر نادر، والقول بوجود كبش مذبوح وحوله بعض الأشياء تدل على فتة أمر غير منطقي".

وختم بالقول: "لذا من الصعب القول إن المصريين القدماء ذبحوا الخراف لأجل الحج، وعملوا عليها فتة، فلا يوجد دليل، وهي أحاديث تسيء لمصر".

"أحدث أنواع الفتة"
وبينما تمثل الفتة عادة طعام مصرية قديمة فإنها أيضا إحدى أهم أطباق بلاد الشام فلسطين والأردن وسوريا التي تعرفها بذات الاسم وتصنع من الخبز والمرق واللحم وأشياء أخرى، أو يطلق عليها البعض اسم "التسقية"، وهو الاسم المعروف في بعض قرى الريف المصري، لكن لكل بلد طابعها الخاص وطريقتها المعتادة في طرق الطهي ومكونات الطبق وطريقة التقديم.

وتعج الفضائيات المصرية مع قدوم العيد ببرامج الطبخ التي لا تخلو من وصفة عمل الفتة، التي طرأ عليها الكثير من التغيرات وحملت العديد من الأشكال والأسماء الجديدة، التي تغيب عن خبرة ست الدار.

اظهار أخبار متعلقة


ويبلغ سعر الفتة السادة بدون لحوم نحو 55 جنيها (الدولار يبلغ 49 جنيها)، والفتة مع الموزة الضاني 560 جنيها، و520 جنيها للفتة بالموزة البتلو، فيما يصل سعر طبق الفتة بالموزة الضاني وأرز بالخلطة 339 جنيها، ووفق موقع طلبات فإن سعر  طبق الفتة بالكوارع وطبق الفتة بالخل والثوم مع كوارع مخلية، وطبق الفتة باللحمة والثوم مع قطع اللحم الضاني (188 جنيها)، وفتة الفراخ المحمرة (170 جنيها)، وفتة اللحمة المحمرة (188 جنيها).

وظهرت أسماء جديدة للفتة مع قدوم السوريين في مصر وعشق المصريين للمطبخ السوري، بينها فتة شاورما الدجاج (130 جنيها)، وفتة شاورما اللحم (165 جنيها) وفتة مكس شاورما (145 جنيها)، والتي يضاف إليها جبنة موتزاريلا، إلى جانب الفتة الحلبي.

وفتة داوود باشا من أرز بسمتي وعيش سوري محمص وشوربة خل وتوم وصوص كاسيه، (153 جنيها)، وفتة كرسبى (149 جنيه)، وفتة شاورما فراخ (149 جنيها)، وفتة شاورما لحم (156 جنيها)، وفتة الجمبري (185جنيها)، وفتة سي فود (235 جنيها)، وفتة شاورما نعام (220 جنيها).
شارك
التعليقات